إبراهيم عيسى يكتب: الرئيس والبرادعي أمام منحنى خطر
هذا منحني مهم
وخطير
وللأسف الانحناءات الخطرة دائما ما تؤدي إلي حوادث وتكسير عظام وتعطل مسيرة في حياتنا..
في مصر الآن منحنيات قادمة أو بالأدق نحن في طريقنا عبر أمتار قليلة لأكثر من منحني خطر قد يدفعنا في رحلتنا للأمام وقد يرمينا حطاما من فوق الجبل، وللأسف الأسيف فإن قرار قيادة السيارة التي تحملنا جميعا في يد أفراد، الركاب يدفعون الأجرة فقط بينما لا دخل لهم في الجهة أو الوجهة ولا في تحديد السرعة أو حتي في تحديد نوعية الأغاني التي يضعها السائق القائد في الكاسيت!
والمنحني أمام السائقين في النظام وفي المعارضة.
والقرار يتخذه شخص واحد في الموقعين المتناقضين.
مبارك والبرادعي يقفان أمام المنحني الخطر، والمدهش أن كليهما في منتهي الثقة والراحة والاطمئنان وشيء ما عميق من الرضا عن الذات يسيطر علي قرارهما.
الرئيس مبارك بحكم ثلاثين عاما من الحكم وبهذه السلطات المطلقة اللانهائية التي يحكم بها مصر لم يعد هناك ما يؤثر فيه علي الإطلاق إلا قناعته الشخصية، وليست هناك جهة ولا مؤسسة واحدة تستطيع أن تقول عن نفسها إنها أثرت في قرار كذا للرئيس أو أنها تضمن أنه سيستجيب لها.
إطلاقا
الرئيس يقرر ثم تعمل المؤسسات علي توضيب وتستيف تقاريرها ومواقفها بناء علي ما يريده الرئيس وما يقرره، ثم إن ثقة الرئيس الوحيد يضعها تامة في تقاريره الأمنية، والمؤسسات الصانعة والرافعة هذه التقارير للرئيس تسعي طبقا لمعرفة غويطة وقديمة بطريقة تفكير الرئيس إلي أمرين:
الأول: التأكيد علي استقرار الوضع الأمني ثم السياسي وأنه محكم في قبضة النظام وتحت السيطرة التامة.
الثاني: التخويف والتحذير من انفلات الوضع المستقر بتغيير أي من مفاتيح الضبط والربط فيبقي أن الرئيس يحافظ ويحفظ كل شيء عند درجة تجمد محددة ترضيه وتريحه من فكرة إذابة الاستقرار بقرارات مقلقة.
العجيب أن هناك تناقضا حادا في إحساس الرئيس مبارك أن مصر مستقرة، وفي الوقت ذاته التحذير من الفوضي فإذا كانت مصر مستقرة إلي هذه الدرجة فما الذي يدعو الرئيس وأجهزته للتوجس من الفوضي والذعر من التغيير فيكون الشعار المرفوع (رغم كراهية الرئيس للشعارات فهو يستخدمها طوال الوقت) هو التغيير المحسوب المتدرج دون هرولة الانضباط والاستقرار درءا للفوضي.
المنحني أمام الرئيس مبارك في لحظة تتجمع فيها انتخابات برلمانية قادمة وانتخابات رئاسية وشيكة وصحة رئاسية بدت لها متطلباتها ونذر احتجاجات شعبية وإن كانت بعيدة عن السياسة وتصب في الاحتياجات الاقتصادية وتصاعد مطالبات من جماعات سياسية بتغيير الدستور أو تعديله، فماذا سيفعل الرئيس مبارك؟
أغلب الظن أنه لا يريد أن يفعل شيئا.. الرئيس قانع جدا ببقاء الوضع علي ما هو عليه، تغييرات الرئيس بطيئة ووئيدة جدا وعلي مراحل بعيدة مرهقة للمنتظر وغائمة علي الناظر وتركز علي تغييرات في الاقتصاد تدفعه للتوحش ضد الفقراء والانحياز المفجع لطبقة رجال الأعمال، خصوصا من محيط دوائر السلطة وجماعات الأصهار والأقارب، وهي موالية حتي النخاع للأجانب سواء كمنظمات أو هيئات أو دول أو شركات، أما التغيير السياسي فهو غير مطروح عند الرئيس ولا ينوي أن يخطو خطوة نحو أي شيء في اتجاه أي تحريك سعيا لأي نقلة.
لقد عشنا مع رئيس ثوري يغير من الجذور للفروع وهو الرئيس جمال عبدالناصر، ثم سلمنا وأورثنا ناصر لخليفته الرئيس أنور السادات الذي احترف الصدمة فكان ما يفعله ثوريا معاكسا لثورة عبدالناصر، لكنه مماثل لمنهجه، ثم أورثنا السادات لمبارك الذي أقام في قصره ثلاثين عاما، وهي مدة أكثر مما قضاها ناصر والسادات معا (16+11)، لكنه حكم بالجمود الذي سماه استقرارا وبالركود الذي اعتبره استمرارا ولولا تطور تكنولوجيا العصر(فضائيات - إنترنت - محمول) وتدافع العولمة وضغوط الخارج لما شفنا ولا عشنا لحظة تغيير واحدة مع الرئيس!
المنحني الآخر الذي يقف عنده دكتور البرادعي صعب وساهم هو بمضاعفة صعوبته.
ومن اللحظة الأولي كان الدكتور محمد البرادعي أمام خيارين إما أن يكون داعية للتغيير أو مرشحا للرئاسة.
طبعا أن يكون البرادعي داعية للتغيير فهذا إضافة هائلة لمطالب التغيير والإصلاح السياسي في مصر فأن يكون واحدا مثل البرادعي بثقله الدولي ومكانته العالمية وشعبيته المصرية في قلب الدعوة للتغيير إلي جانب الجماعات والشخصيات المناضلة الداعية للتغيير فهذه إضافة تضفي الكثير من القوة والمصداقية.
لكن الحقيقة أن الدكتور البرادعي عن مثالية بالغة أو حذر مبالغ فيه قرر أن يكتفي بالدعوة والدعاية للتغيير دون أن يترجم هذه الدعوة إلي فعل أبعد وأعمق وأهم من أفعال الداعية، رغم القناعة الراسخة لدي البرادعي أنه يفعل الصواب، فإنه يجب أن يزعزع ثقته في قراره الصارم بأن يكون داعية لا مرشحا، الشواهد تنبئ عن تآكل محتمل في حواف الحماس وضبابية مربكة للمستهدف، فالواقع المصري مهيأ ومؤهل لمرشح ولا يحتاج دعاة جددا مهما كانت قدراتهم ووجاهتهم فإن البرادعي يبدد طاقة جهد بقدر ما يفتح طاقة نور بالضبط.
المنحني الخطر أمام البرادعي هو أن يدير دفته فيعلن ترشحه الواضح مستقلا للرئاسة في انتخابات 2011 أو يكتفي بكونه داعية مهم وعظيم يخذله الواقع أو جمهوره أو لا يخذله فالدعاة يجب ألا يهتموا كثيرا بالنتائج ولا يكسر عزيمتهم انفضاض البعض أو إقباله!
كما قلت فالرئيس ومعارضه أمام منحني حقيقي.
والرئيس ومعارضه راضيان جدا عن قيادتهما.
ولا أظن أن جديدا سيظهر منهما بعد المنحني!
هذا منحني مهم
وخطير
وللأسف الانحناءات الخطرة دائما ما تؤدي إلي حوادث وتكسير عظام وتعطل مسيرة في حياتنا..
في مصر الآن منحنيات قادمة أو بالأدق نحن في طريقنا عبر أمتار قليلة لأكثر من منحني خطر قد يدفعنا في رحلتنا للأمام وقد يرمينا حطاما من فوق الجبل، وللأسف الأسيف فإن قرار قيادة السيارة التي تحملنا جميعا في يد أفراد، الركاب يدفعون الأجرة فقط بينما لا دخل لهم في الجهة أو الوجهة ولا في تحديد السرعة أو حتي في تحديد نوعية الأغاني التي يضعها السائق القائد في الكاسيت!
والمنحني أمام السائقين في النظام وفي المعارضة.
والقرار يتخذه شخص واحد في الموقعين المتناقضين.
مبارك والبرادعي يقفان أمام المنحني الخطر، والمدهش أن كليهما في منتهي الثقة والراحة والاطمئنان وشيء ما عميق من الرضا عن الذات يسيطر علي قرارهما.
الرئيس مبارك بحكم ثلاثين عاما من الحكم وبهذه السلطات المطلقة اللانهائية التي يحكم بها مصر لم يعد هناك ما يؤثر فيه علي الإطلاق إلا قناعته الشخصية، وليست هناك جهة ولا مؤسسة واحدة تستطيع أن تقول عن نفسها إنها أثرت في قرار كذا للرئيس أو أنها تضمن أنه سيستجيب لها.
إطلاقا
الرئيس يقرر ثم تعمل المؤسسات علي توضيب وتستيف تقاريرها ومواقفها بناء علي ما يريده الرئيس وما يقرره، ثم إن ثقة الرئيس الوحيد يضعها تامة في تقاريره الأمنية، والمؤسسات الصانعة والرافعة هذه التقارير للرئيس تسعي طبقا لمعرفة غويطة وقديمة بطريقة تفكير الرئيس إلي أمرين:
الأول: التأكيد علي استقرار الوضع الأمني ثم السياسي وأنه محكم في قبضة النظام وتحت السيطرة التامة.
الثاني: التخويف والتحذير من انفلات الوضع المستقر بتغيير أي من مفاتيح الضبط والربط فيبقي أن الرئيس يحافظ ويحفظ كل شيء عند درجة تجمد محددة ترضيه وتريحه من فكرة إذابة الاستقرار بقرارات مقلقة.
العجيب أن هناك تناقضا حادا في إحساس الرئيس مبارك أن مصر مستقرة، وفي الوقت ذاته التحذير من الفوضي فإذا كانت مصر مستقرة إلي هذه الدرجة فما الذي يدعو الرئيس وأجهزته للتوجس من الفوضي والذعر من التغيير فيكون الشعار المرفوع (رغم كراهية الرئيس للشعارات فهو يستخدمها طوال الوقت) هو التغيير المحسوب المتدرج دون هرولة الانضباط والاستقرار درءا للفوضي.
المنحني أمام الرئيس مبارك في لحظة تتجمع فيها انتخابات برلمانية قادمة وانتخابات رئاسية وشيكة وصحة رئاسية بدت لها متطلباتها ونذر احتجاجات شعبية وإن كانت بعيدة عن السياسة وتصب في الاحتياجات الاقتصادية وتصاعد مطالبات من جماعات سياسية بتغيير الدستور أو تعديله، فماذا سيفعل الرئيس مبارك؟
أغلب الظن أنه لا يريد أن يفعل شيئا.. الرئيس قانع جدا ببقاء الوضع علي ما هو عليه، تغييرات الرئيس بطيئة ووئيدة جدا وعلي مراحل بعيدة مرهقة للمنتظر وغائمة علي الناظر وتركز علي تغييرات في الاقتصاد تدفعه للتوحش ضد الفقراء والانحياز المفجع لطبقة رجال الأعمال، خصوصا من محيط دوائر السلطة وجماعات الأصهار والأقارب، وهي موالية حتي النخاع للأجانب سواء كمنظمات أو هيئات أو دول أو شركات، أما التغيير السياسي فهو غير مطروح عند الرئيس ولا ينوي أن يخطو خطوة نحو أي شيء في اتجاه أي تحريك سعيا لأي نقلة.
لقد عشنا مع رئيس ثوري يغير من الجذور للفروع وهو الرئيس جمال عبدالناصر، ثم سلمنا وأورثنا ناصر لخليفته الرئيس أنور السادات الذي احترف الصدمة فكان ما يفعله ثوريا معاكسا لثورة عبدالناصر، لكنه مماثل لمنهجه، ثم أورثنا السادات لمبارك الذي أقام في قصره ثلاثين عاما، وهي مدة أكثر مما قضاها ناصر والسادات معا (16+11)، لكنه حكم بالجمود الذي سماه استقرارا وبالركود الذي اعتبره استمرارا ولولا تطور تكنولوجيا العصر(فضائيات - إنترنت - محمول) وتدافع العولمة وضغوط الخارج لما شفنا ولا عشنا لحظة تغيير واحدة مع الرئيس!
المنحني الآخر الذي يقف عنده دكتور البرادعي صعب وساهم هو بمضاعفة صعوبته.
ومن اللحظة الأولي كان الدكتور محمد البرادعي أمام خيارين إما أن يكون داعية للتغيير أو مرشحا للرئاسة.
طبعا أن يكون البرادعي داعية للتغيير فهذا إضافة هائلة لمطالب التغيير والإصلاح السياسي في مصر فأن يكون واحدا مثل البرادعي بثقله الدولي ومكانته العالمية وشعبيته المصرية في قلب الدعوة للتغيير إلي جانب الجماعات والشخصيات المناضلة الداعية للتغيير فهذه إضافة تضفي الكثير من القوة والمصداقية.
لكن الحقيقة أن الدكتور البرادعي عن مثالية بالغة أو حذر مبالغ فيه قرر أن يكتفي بالدعوة والدعاية للتغيير دون أن يترجم هذه الدعوة إلي فعل أبعد وأعمق وأهم من أفعال الداعية، رغم القناعة الراسخة لدي البرادعي أنه يفعل الصواب، فإنه يجب أن يزعزع ثقته في قراره الصارم بأن يكون داعية لا مرشحا، الشواهد تنبئ عن تآكل محتمل في حواف الحماس وضبابية مربكة للمستهدف، فالواقع المصري مهيأ ومؤهل لمرشح ولا يحتاج دعاة جددا مهما كانت قدراتهم ووجاهتهم فإن البرادعي يبدد طاقة جهد بقدر ما يفتح طاقة نور بالضبط.
المنحني الخطر أمام البرادعي هو أن يدير دفته فيعلن ترشحه الواضح مستقلا للرئاسة في انتخابات 2011 أو يكتفي بكونه داعية مهم وعظيم يخذله الواقع أو جمهوره أو لا يخذله فالدعاة يجب ألا يهتموا كثيرا بالنتائج ولا يكسر عزيمتهم انفضاض البعض أو إقباله!
كما قلت فالرئيس ومعارضه أمام منحني حقيقي.
والرئيس ومعارضه راضيان جدا عن قيادتهما.
ولا أظن أن جديدا سيظهر منهما بعد المنحني!